الجمعة، 21 سبتمبر 2018

هل سينفذ البترول من السعودية ؟


تنشر العديد من الشركات النفطية كشركة البترول البريطانية وإكسون موبيلالأمريكية، بالإضافة إلى منظمات عالمية كأوبك ووكالة الطاقة الدولية وإدارة المعلومات الأمريكية توقعاتها لأسعار النفط ومقدار الطلب والعرض المتوقعين على النفط وعلى مصادر أخرى للطاقة بناء على معادلات حسابية اقتصاديةتختلف من جهة إلى أخرى
لا تشير التقارير الصادرة إلى التوقعات لما بعد سنة 2040 أو 2050، ويندر أن تنشر مراكز الأبحاث توقعاتها لما بعد 2050 إيمانًا منها بأن لدى العالم ما يكفيه من موارد نفطية تكفيه لعقود. تركز هذه الجهات في تقاريرها وتوقعاتها على جوانب عديدة كالعرض والطلب وما ينطوي تحتهما من افتراضات وخيارات وتوجهات الأسواق والروافد والعلاقات الجيوسياسية وعوامل كثيرة تجعل من الصعوبة التنبؤ بدقة ما سيحدث
بالنسبة لنا في المملكة، لا تنشر شركة أرامكو السعودية توقعاتها المستقبلية لإمدادات النفط وتصدر تقارير داخلية تعتمد على بيانات الجهات السابقة ونماذج اقتصادية داخلية إما لتوسعة قاعدة الإنتاج من حقول نفطية قائمة أو تطوير أخرى بما يتناسب مع الطلب العالمي والمحلي من خامات نفطية معينة.
بفَرْضِ أن مؤشر "سنوات نفاد الاحتياطي" الذي تطرقت إليه في الجزء الثاني من هذه السلسلة هو المؤشر الصحيح لقياس ما تبقى لدينا من نفط حتى آخر قطرة، هل يعني هذا أن احتياطي المملكة النفطي سيكفيها لـ 62 سنة قادمة؟ وهل هو بالرقم الثابت أم المتغير؟
لنلقي إذًا نظرة أشمل على هذا المؤشر بجانبيه؛ الاحتياطي النفطي ومعدل الإنتاج، كل على حدة:
ما هو الاحتياطي النفطي؟
 الاحتياطي النفطي هو كمية النفط المستقبلية التي يمكن هندسياً واقتصادياً استخراجها في فترة زمنية معينة وليست كما يتصور البعض بأنها الكمية من النفط التي تستخدم عند الطوارئ لتعويض النقص في أسواق النفط أو توفير السيولة النقدية عند الحاجة. استنادًا إلى هذا التعريف فإن النفط القابل للاستخراج من مجمل الموارد النفطية هو الاحتياطي وما عداه لا يدخل ضمن تصنيف الاحتياطي
تختلف نسبة ما يمكن استخراجه من حقل نفطي إلى آخر ومن مكمن إلى آخر وذلك لاختلاف الظروف الجيولوجية والهندسية والاقتصادية وتتراوح نسبة ما يمكن استخراجه ما بين الـ 5% للنفط الثقيل وتزيد عن الـ 50% في المكامن النفطية ذات الضغط المستدام والتي تحتوي على مسامية عالية وبإشراف إدارة هندسية فعًالة كما هو الحال في حقل إبقيق السعودي.
لعل أفضل ما كُتِب عن احتياطي المملكة النفطي هو مقال للكاتب والاعلامي النفطي المعروف وائل مهدي بعنوان: "هل لدى السعودية ما يكفيها من نفط؟" والذي نُشِر في صحيفة عرب نيوز بتاريخ 15 سبتمبر 2018. بحسب المقال، فإن مجمل الموارد النفطية السعودية في 2016 يزيد عن 800 بليون برميل معظمها من النفط التقليدي أُنتج منها 147 بليون برميل تقريبًا حتى يومنا هذا في حين أن نسبة ما يمكن استخراجه من الاحتياطيات النفطية المؤكدة هي 266 بليون برميل المعلنة رسميًا أي بنسبة تقدر بـ 40% وهي نسبة قابلة للزيادة.
تاريخيًا، بلغ احتياطي المملكة النفطي المؤكد في 1960 ما يعادل الـ 53.3 بليون برميل، وهو اليوم يزيد عن 266 بليون برميل (أي أنه قد تضاعف بزيادة سنوية تقدر بـ 3.6 بليون برميل خلال 58 سنة). وما زال احتياطي المملكة النفطي في ازدياد بفعل عدة عوامل أهمها الاستكشافات النفطية كما حصل حينما أعلنت شركة أرامكو مؤخرًا عن اكتشاف حقلين نفطيين والذي يساهم تلقائيًا بارتفاع الموارد النفطية ناهيك عن النفط الغير تقليدي والذي هو في طور الاستكشاف والتطوير، أو بتطبيق تقنيات متطورة كتقنية حقن الآبار بالبخار التي تطبقها شركة شيفرون في حقل الوفرة في المنطقة المقسومة، والتي ساهمت برفع نسبة ما يمكن استخراجه من الموارد النفطية الثقيلة من 5% إلى ما يزيد عن الـ 50% ، أو بالقيام بمراجعات حسابية هندسية لإعادة هيكلة أداء الحقول النفطية الحالية وتقييم الاحتياطي النفطي فيها
أشار تقرير رويترز الصادر في أبريل الماضي إلى أن جهتين استشاريتين قامت بمراجعة احتياطي أرامكو ووثقت الاحتياطي المعلن كجزء من استعدادات الشركة للإدراج في الأسواق المالية بل إن التقرير أشار إلى احتياطي المملكة المؤكد يميل إلى التحفظ وأنه هنالك مجالًا أوسع لإضافة المزيد.
تشرف "أرامكو السعودية" على عشرات الحقول النفطية حول المملكة باستثناء المنطقة المقسومة مع الكويت وقامت بتطوير ما يقارب الـ 14 حقلًا نفطيًا منها حتى هذه اللحظة. بعض هذه الحقول شهدت توسعة في إنتاجها كحقل الشيبة مؤخرًا وأخرى ستشهد توسعة قريبًا كحقل البري
يظن البعض أن الحقول النفطية السعودية قد وصلت مرحلة الإنهاك، استنادًا إلى تقارير لا تقوم على أسس علمية كتلك التي أشرت إليها في مقدمة هذه السلسلة لماثيو سيمنز. تثبت الاحصائيات عكس ذلك، حيث لدى المملكة 3490 بئر منتجة بمعدل إنتاجية تصل إلى 2850 برميل يوميًا للبئر الواحدة في سنة 2017 (علمًا بأن معظم الآبار لا يتم انتاجها عند طاقتها القصوى)، محتلة بذلك صدارة الدول الأكثر انتاجية على الصعيد العالمي بفارق كبير عن العراق صاحب المرتبة الثانية، الذي ينتج من 2662 بئر بمعدل 1680 برميل يوميًا للبئر، وذلك حسب ما ورد في تقرير أوبك الاحصائي السنوي لعام 2017.
إن مقدرات المملكة هائلة، وفعالية إدارتها لمواردها النفطية أكسبتها احترام العاملين في الصناعة النفطية وصناع القرار. فعندما يتهجم وزير الطاقة الأمريكي بعد توليه حقيبة الوزارة على سياسة أوبك ودعوته إلى تحرير الأسواق النفطية دون قيود، وبعدها بعام تجده في اجتماع ودي مع معالي الوزير خالد الفالح بهدف زيادة التنسيق بين البلدين، فحينها يعي قارئ الحدث وزن المملكة في توازن الأسواق، وما كنا لنرى مثل هذا التنسيق مع المملكة إذا كانت أرقام احتياطينا مشكوكًا فيها.
لدينا ما يكفينا من احتياطيات نفطية في الحاضر وهنالك مجال واسع للزيادة في المستقبل إلا أن الحفاظ على هذا الاحتياط مرهون بمعدلات الإنتاج والسيناريوهات المحتملة وأثرها على مستقبل النفط والتي سأختم بها هذه السلسلة في المقال المقبل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق